يرى البعض في هذه العبارة خطأ فادح، فالموت موت والحياة حياة، فالموت يُولد لمن تجرع مرارته إحساس بغيض، وغصة مصحوبة بألم.
فأنا أكاد أجزم أنه ما من كائن على وجه هذه الأرض إلا وشرب من كأس الموت، واحتبست أنفاسه جراء فقده لمن يحب، فهذه سنة الله في الكون كغيرها من السنن، وليس لأحد أن يٌخلد فيها.
وأنا هنا لست بصدد نقاش السنن الإلهية ومجرياتها، فلهذا العلم أهله، ولكنني أقصد موت بعض المشاعر والأحاسيس، وسقوطها في بئر عميقة لا قرار لها.
موت الحب وخمود جذوة الشوق والوله تجاه شخص ما قد يرتقي بنا ويأخذنا بعيداً حيث الأمان وسكينة الروح، والغريب أن بعض الناس ممن امتلأت قلوبهم بفيض من المشاعر والحب تجاه طرف ثاني، وتلبستهم حالة قيس ولبنى، أو جميل وبثينة، وغيرهم الكثير ممن تناقلت أخبارهم كتب الشعر، وتاريخ الأدب، يرون حياتهم تقف عند هؤلاء، ولن يجدوا السعادة والهناء طالما أنهم ابتعدوا عنهم، وحين يكتب الله الفراق، أو يمل أحدهم من الآخر، تتوقف عجلة الحياة عن الدوران، وتتقطع الأنفاس، وينتظر الواحد منهم سقوط ورقته من شجرة الحياة.
لعله خير، فما يدريك أنه كان النصيب المقدر لك؟ ولم تتخيل أنه لا حياة بعده، وأن أبواب الشقاء فتحت مصراعيها لتصبح ضائعاً حزيناً منكسراً، فقد يبكي من انتهت علاقته بمن أحبه ساعات أو أيام، أياً كان أمد البكاء، ففي النهاية ستجف الدموع، وتهدأ لوعة الفراق، وهنا سيرى هذا الحزين المنكسر الكون بشكل مختلف عما سبق، وستتلون صفحات حياته، وسيتيقن بأن خسارته لمن أحب تحفظ له في سجل الإنجازات والنصر.
وكذلك الإدمان والولع أياً كان ما تولع به الإنسان من تدخين، أو مخدرات، أو خمور، مع وجود فارق كبير بين التدخين وما تلاه، فالتدخين يختلف كثيراً عن المخدرات والخمور في كون المدخن لا يصل لمرحلة الإدمان، بقدر ما هو ولع، وعواقبه محدودة، ولكن حين تموت رغبة المدخن في نفث الدخان، ويحاول علاج نفسه والتوقف عن هذه العادة، ستتغير لديه الكثير من الأمور، وستتحسن حالته الصحية والمادية أيضاً.
والمدمن حين يجبر نفسه على الامتناع عن التعاطي، أو يتوقف لأي سبب كان، وتموت رغبته في إسقاط نفسه في هاوية الأدمان وما يترتب عليها، سيجد نفسه قد عاد إلى صفوف الأحياء، وأنقذ نفسه من حكمه السابق عليها بالموت بأقبح الطرق.
وفي الموت حياة، ليت الإنسان حين يفقد أياً كان ما يفقده يحاول إعمال تفكيره وتحكيم المنطق، فإن كان ما فقده شيء من موجودات الحياة فعند الله في ذاك العوض، فلن تتوقف عجلة الحياة عن الدوران، وستظل تلف بنا في جميع الاتجاهات.
فماهية الحياة أن الواحد منا قد يفقد صديق عزيز عليه لخلاف دب بينهما، أو سوء ظن، أياً كان سبب الفقد، وستظلم الدنيا في عينيه، وسيتشح الكون بالسواد، وسيعمم حكمه على الناس ويصفهم جميعاً بالغدر.
فلنجرب حين نفقد شيء ما أن نجري إحصاء لما ذهب من بين أيدينا، والمؤلم حقاً أننا سنجد أننا لم نفقد أكثر من هذا الشيء، والحياة لا تزال ماضية بنا، ولن تتوقف الأيام عن التجدد وإبهارنا بما فيها لأننا فقدنا ما تعلقنا به.
قال عمرو بن مكرب:
صَبَـرتُ عـلـى اللذَّاتِ لمّـا تَـوَلَّتِ وألزَمتُ نفسِي الصَّبرَ حتى استمرَّتِ
وكانَتْ على الأيَّامِ نفسِي عَزيزَةً فلمّـا رَأتْ صَبـرِي عـلى الذُلِّ ذَلِّـتِ
فقُلتُ لها يا نَفْسُ عِيشي كريمَةً لقـد كَـانَـتِ الـدُّنيا لنـا ثُـمَّ وَلَّـتِ
- 03/12/2024 ابراهيم طميحي يحصل على البكالوريوس في الصحة العامة
- 02/12/2024 “بن منيخر” يرعى حفل تكريم عطاء وأثر تحت شعار الاستدامة في الشراكات المجتمعية
- 02/12/2024 أمير نجران يثمن مبادرات رجال الأعمال في تحقيق رؤية ٢٠٣٠
- 02/12/2024 أمير منطقة نجران يدشّن مشروع استحداث المبادرات
- 02/12/2024 الشؤون الإسلامية بجازان نفذت كلمات دعوية ودروس علمية
- 02/12/2024 الشؤون الإسلامية تقيم جولة دعوية في محافظة العيدابي
- 02/12/2024 الشؤون الإسلامية في جازان ممثلا بإدارة مساجد الداير تقيم مبادرة تطوعية لتوزيع المظلات الشمسية على العمال
- 02/12/2024 المملكة تقود العالم في مواجهة تحديات الجفاف بإطلاق مبادرة “شراكة الرياض العالمية” ودعم (150) مليون دولار
- 02/12/2024 الشؤون الإسلامية بجازان تُنفذ سلسلة من المحاضرات الدعوية ودرس اسبوعي بمحافظة الدائر
- 02/12/2024 الشؤون الإسلامية في جازان تنظم دورات علمية بأبي عريش
المقالات > وفي الموت حياة
✍️ - هدى الشهري
وفي الموت حياة
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.albayannews.net/articles/215498/