دخل رجل بدوي عليه شعث السفر، على داود المهلبي، وكان إذا حضر الطعام يتقدم بصرف البوابين، ولا يمنع أحدا من الوصول إلى طعامه، فلما فرغ من الطعام وثب قائماً وأومى إليه، وقال: من أنت يا فتى...؟
قال: شاعر قصدتك بأبيات من الشعر.
قال داود: مهلاً قليلاً، ثم دعا بقوس فأوترها، وأومى إليه وقال له : قل؛ فإن أنت أحسنت خلعتُ وأجزلتُ، وإن أخطأت رميتك بهذا السهم يقع في أي موضع يقع فيه.
فتبسم البدوي وقال:
آمنت بداود وجود يمينه...
من الحدث المرهوب والبؤس والفقر
وأصبحت لا أخشى بداود نبوة...
ولا حدثانا إن شددت به أزري
له حكم لقمان وصورة يوسف...
وملك سليمان وصدق أبي ذر
فتى تهرب الأموال من جود كفه...
كما يهرب الشيطان من ليلة القدر
فقوسك قوس الجود، والوتر الندى...
وسهمك فيه الموت فاقتل به فقري
فضحك داود ورمى بسهمه مع القوس من يده، وقال: يا فتى العرب؛ بالله هل كان ذكر القوس في الأبيات...؟
فقال : لا والله.
ففرح بذلك وقال: يا فتى العرب؛ بالله أيما أحب إليك؛ أعطيك على قدرك، أم على قدري...؟
قال : بل على قدري.
قال: كم على قدرك...؟
قال مائة ألف درهم.
فأمر له بها.
ثم قال: ما منعك أن تقول على قدري...؟
فقال: أيها الأمير؛ أردت أن أقول ذلك، فإذا الأرض لم تساو قدر الأمير، فطلبت على قدري.
فقال : لله درك؛ والله إن نثرك لأحسن من نظمك،
وأمر له بمائة ألف ثانية، وأمره ألا ينقطع عنه .