الطاعات أنوار تسطع في القلوب فتطمئن لها وتفرح، وتتفتح سبل الارتقاء فتقبل النفس على طاعات أخرى.
والذنوب ظلمات تطمس البصائر فتكثر من جرائها السقطات الموجعة.
ومن المصائب العظيمة ألا يشعر العبد أنه قد أتى ذنبا فيساق إلى ذنب آخر فلا يكون لديه إحساس بهذا يردعه عن التمادي، حتى أصبح أمرا عاديا غير مستنكر ولا مستهجن.
ومن عظم البلاء أن يألف المعصية لكثرة ما يقترفها فلا يعود قلبه ينكرها.
وقد قيل: كثرة المساس تفقد الإحساس.
وهذا شأننا مع مخلوقات الله التي تُظهر بديع صنعه وعظم خلقه، فمع النعم الجليلة التي منَّ بها علينا فلم نعد نشكرها حق شكرها.
ونحن نعجب للاكتشافات التي تطالعنا بها مراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية ولا نلتفت إلى موجد تلك الأمور وخالقها ودقيق صنعه.
لذا كان أبو الحسن الزيات لا يهتم كثيرا لما يطرأ من أمور شاذة وإن كانت عظيمة إذا كانت القلوب ناصعة وتنفي الخبث فيقول: والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها، لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به.
وهذا التأثر تظهر له بوادر في العمل تركا وفعلا، فمن ترك أفعالا صالحة دأب على القيام بها فقد خسر، ومن فعل أفعالا سيئة فقد انحدر في الخسران، وتحمَّل من الأوزار ما يجعله يتقهقر حين يتقدم العاملون.
قال أبو سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى منه في غير الطاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك إلى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى به من جهله.